من وحي عالمي السحري

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
من وحي عالمي السحري

منتدى نفسي اجتماعي تربوي يُعنى بالجانب النفسي .. وتطوير الذات / آمال أبو احمد /


2 مشترك

    حكاية من زمن المطر (طريق الرويسة)

    avatar
    جمال الطرابلسي


    عدد المساهمات : 3
    تاريخ التسجيل : 11/01/2011

    حكاية من زمن المطر (طريق الرويسة) Empty حكاية من زمن المطر (طريق الرويسة)

    مُساهمة  جمال الطرابلسي الخميس فبراير 03, 2011 12:16 pm

    كانت
    أمي تصف الأيّام المطيرة فتقول (الطالع من الأرض أكتر من النازل من السما)
    المطر في قريتي ليس كالمطر في أي مكان آخر هنا يستمر هجوم السماء أسبوعا
    متواصلا لا يكاد خيطها ينقطع
    وفي قلب كانون حين يتزاحم الغيم الأسود
    المندفع بقوة متسلقا سفوح الجبال الحادة تشعر دائما أن الليل قريب منك
    يحيط بك يكاد يهبط على قلبك
    اليوم وبعد مرور تلك السنوات الطويلة لم
    أكن أعلم ما إذا كان كانون باردا أم دافئا . ليس في الأمر مبالغة لكني
    أستطيع التدفؤ الآن بحرارة مدفأة الحطب الجسرية الصنع والتي كان يملؤها
    والدي بحطب السنديان الذي لم يجف كفاية ثم يترك بابها مفتوحا فيتدفق
    دخانها الأبيض من كل فتحاتها ثم يملأ الدخان كل أرجاء البيت ، وأمام أي
    اعتراض كان أبي يجيب (
    هي الدخني ما بتضر مو متل المازوت )
    ثم يخرج كيس الدخان(التبغ) ويفرد وريقاته المتوسطة الحجم يشم رائحتها
    ليتحسس ما إذا قد ترطبت ثم يشم ثانية ويقول وهو يسنّ السكين م
    تل الورد بس خفاف شوي هدول من بشراغي صرلو عشرين سنة أبو نقصة بيوعدني بدخانات تقال ومابيوفي بوعدو ولاد المنطقة الغربية كلن هيك
    أترك والدي مع أحلامة بتبغ أثقل ومنفعة من دخنة الحطب وأتسلل صاعدا سفح الجبل المنحدر بشدة نحو الرويسة
    القرية العامرة بالحياة والسهر والإلفة ببيوتها المبنية من الطين والحجر لم يكن ثمة طريق حقيقية كان شعبا(
    نحن نسميه شريّك)
    يتلوّى فوق صخور ويلتف بن الأشجار الحراجية وينطرح خلف ربوة ثم ينحدر في
    مجرى نهر و نهر آخر ويهوي بشدة نحو واد سحيق فيضيق في سفح المنحدر حتى لم
    يعد يتسع لقدمين ويصعد ثانية وحيثما تنظر بعدها لا ترى شيئا فكثافة
    الأدغال تجعلك تترحم على بلاد الأمازون صوت الماء حولك ،أمامك وخلفك ومن
    فوق ومن تحت ونهر في أسفل الوادي وزخات المطر تبلل الروح قبل الجسد
    كثيرا ماكنت أسأل نفسي لماذا أصبح السهر في الرويسة إدمانا لا يمكنني
    التخلص منة؟
    كنت في ميعة الصبا وفي الصف الأول الثانوي وكان عدد من
    حصل على الشهادة الإعدا دية جيدا هذا العام فقد تجاوز أصابع اليدين وكنت
    منتشيا لأني واحد من هؤلاء والوحيد بين جيراني من نجح التاسع من السنة
    الأولى
    كنت أمرّ على معظم بيوت الرويسة ولكنّ سهرتي في بيت سهيلة
    الشابة المرغوبة من الجميع والمحبوبة من معظم شباب الرويسة أهل سهيلة
    مضيافون فبيتهم الواسع وحسن استقبالهم وبشاشة سهيلة ومدفأتهم قليلة
    الدخان كل ذلك يجعل للمتة طعم آخر وللفوز بالطرنيب طعم النجاح الحقيقي متعة
    لا مثيل لها لا يقطعها إلا البدء بالتثاؤب من بض أفراد الأسرة وخلال وقت
    قصير نودّع ونتفرق أو نتلاشى في عتمة كانون ، بل أتلاشى وحيدا أنا وحدي
    من خارج الرويسة
    وفي طريق العودة غالبا ما أسلك الطريق الأبعد ولكنها أسهل قليلا فبيتي يبعد حوالي ربع ساعة من المسير السريع
    الظلام
    مطبق على كل شئ عتمة كانون تلفني أدخل تحت جناحها وأندس بين مائها ومطرها
    اللزب الذي يشبه الرذاذ المتواصل بعد دقائق قليلة تصبح ثيابي كتلة من ماء
    السماء وأنحدر نحو بيتي في خفة لم أكن أرى أمامي مترا واحدا ولكنني كنت
    أتحرك بسرعة من يسير في النهار وخاصة حين أصبح في قلب الأدغال وأشعر
    بالخوف يبدأ يتسرب إلى قلبي مع المطر اللازب..... ثم يزداد الخوف وتزداد
    دقات قلبي كلما دخلت في أجمة جديدة ثم أبد بالتعوذ وذكر أسماء المقامات
    الكثيرة التي تغطي قبابها المنطقة يا شيخ حمزة يا شيخ مبارك يا شخ علي يا
    شيخ يوسف أبو غارة يا أمير حسن السنجاري وكنت عندما أقترب من البيت أنسى
    المقامات وأرفع صوتي بغناء نشاز بهدف أن ينتبه كلبنا لقدومي فينبح أو يسرع
    نحو ي كما يفعل في بعض الأحيان
    في إحدى تلك الليالي انحدرت في واد يمر
    فيه نهر شتوي تكثر فية أشجار الدفلى الكثيفة وكان الخوف قد تمكن مني وكنت
    وأنا أسير أضرب الأرض بقوة لأتغلب على الخوف ولأقنع أيّ وحش قريب أنني قوي
    تهتز الأرض لخطواتي وكنت وصلت في ذكر المقامات إلى الشيخ عبد الله
    المغاوري حين سمعت حركة قوية على بعد أمتار قليلة مني كانت حركة توحي
    بوحش ضخم وقف شعر رأسي حقيقة لا بالخيال وضعت يدي فوق شعري المبلل فوجدته
    مسترسلا وليس واقفا ثم بدأت أشعر أني لا أملك صوتا لأتنحنح أو أصرخ ،
    ركبتاي من رماد جلست القرفصاء وصرت أراقب أدغال الدفلى ولكن متر أو مترين
    فقط ما يمكن أن ألمح فيه شيئا أصخت السمع لا شئ غير صوت الماء في كل مكان
    وفجأة وبدون إنذار أو أمر مني انطلقت قدماي بسرعة البرق ووجدت نفسي أندفع
    في الطريق النازل بقوة حصان بري منجرد خلف فرسه أي وحش سينال مني ؟هيهات
    فسرعتي تجاوزت سرعة الصوت وفي مرحلة من المراحل طرت نعم فوق بعض الأشجار
    الصغيرة نسميها (جفينة) طيرانا حقييقيا وعندما عبرت فوق الهوّارة الرملية
    لم تلامس قدماي الأرض
    وحين اقتربت من البيت نبح الكلب بصوت مذعور وراح يركض هو الآخر
    وتمالكت قليلا أمام البيت ، الضوء خافت جدا هكذا يبدو من شقوق الباب
    الخشبي ،إذا ناموا جميعا الحمد لله حركت المزلاج من فتحة في الباب واندفعت
    نحو فراشي الممدود خلف عنبر الحنطة ودسست نفسي لم أنم تلك الليلة فأوراق
    السنديان قد ملأت صدري وثيابي المبللة لم أجرؤ على
    خلعها..........................كانت ليلة ليلاء لا أعرف ما إذا ذقت طعم
    النوم فيها, قررت مئة مرة ألاّ أسهر في الرويسة وأخذت على نفسي العهود
    والمواثيق ولكن ماإن عدت من الثانويةالتي تبعدحوالي ساعة من المسير عبر
    غابات البلوط الكثيفة والتي تمر ّبين المزارات حتى بدأت أتحلل من العهود
    التي أخذتها على نفسي وبدأت أرتب خطة للإيقاع بالوحش فأغدو بطلا في نظر
    سهيلة وأهلها كنت أملك بندقية صيد تركية قديمة واستدنت علبة خرطوش
    وذهبت إلى الدكان فاشتريت ثلاث بطاريات برق( للكهرباي )وكان يسميها البعض
    ضواي أو بيل، انتظرت حتى خيّم الظلام على كل شيء كانت السماء قد توقفت عن
    الهطل ولكنّ ضبابا كثيفا بارد راح يتمدد من الأعلى باتجاه السهل ، تسحبت من
    البيت وأنا أسترجع في ذاكرتي يوما مماثلا لم تكن السماء تمطر كانت سهيلة
    تنتظرني على الطرف الغربي للقرية قرب أجمة من السنديان التي التفت عليها
    نباتات متسلقة بكثافة حتى أصبحت شبيهة بالخيمة الخضراء سألتها( ولك مانك
    فزعاني فردت بسرعة من شو بدي افزع ؟؟؟؟؟ أمسكت يدها وقلت سهيلا بدي
    بوسي فردت بسرعة أيضا يامجنون هي ما بتنشحد لازم تاخدها غصب عني –
    بخاف تزعلي
    - أي والله بزعل ولا مجنون هلق ملاقيلك تنصلي ركعتين؟؟؟؟؟
    لابدّ أنها تنتظرني الآن في نفس المكان سأسرق منها قبلة مثل تلك التي شاهدتها في السينما
    أخذتني
    الذاكرة وتلوّت أحلامي في ثنيات الزمن لأنتبه فجأة وقد صرت قريبا من
    المكان الذي أحسست فيه بالوحش وشعرت بالخوف يجتاحني بقوّة ستبدأ المواجهة
    بعد ثوان قليلة فلابد أن الوحش مقيم هنا إنه ضبع بالتأكيد , صحيح الضباع
    قليلة ولكن كانت حركة قوية ليست حركة جقل ولم يقل أحد أنه شاهد نمرا منذ
    عشرات السنين ، وضعت خرطوشة ثم قمت بتثبيت الكهرباي على البندقية القديمة
    والتي بدت لي شيئا حميميا محبوبا وتركت الضوء مطفأ وبدأت أقتر ب بخطوات
    حذرة حاولت ألا تصدر عني أي حركة وفجأة ركض أمامي شيء ما بحركة قوية ، يدي
    شدت الزناد وقصف رعد البندقية التركية القديمة
    أصابني الذهول عندما
    صرت أسمع عشرات الوحوش تركض مبتعدة عني وضعت خرطوشة ثانية ودوّى الرعد من
    جديد أصابني مايشبه الخدر أيّ خوف وأي هستيريا تتدافع حولي وتذكرت
    الكهرباي فغمزت زرها وصوبت بؤرة الضوء على أقرب وحش
    وياللهول إنّـه
    عجل من البقر العكش البلدي ثم أدرت الكهرباي في أكثر من اتجاه إنها أبقار
    الضيعة يا خيبتي كيف نسيت أن أبقار الضيعة التي لا تحلب والعجول البلدية
    نادرا ما تنام في البيوت وأنها تنتشر في الليل لترعى من الأحراش آخ يا
    راسي بدأ يجتاحني صداع مثل قصف الرعد سأركض خلف العجل وأعرف ما إذا أصبته
    أم لا
    ومرة ثانية انطلقت قدماي خلف العجل الذي طار صوابه هو الآخر
    فاندفع أمامي بسرعة البرق متجها نحو الوادي وراح يركض بحركة لولبية كأنه
    كان يتدرب معنا في درس الفتوّة
    لم تمنعني حركاته التكتيكية من الا
    قتراب منه بالقدر الذي طمّنني عليه فتحت ضوء البيل القوي لم أشاهد عليه أيّ
    أثر للإصابة ، توقفت عن المطاردة كان بنطالي الخاكي قد توحّل ولا حظت
    أنّ قميصي قد أصبح فيه شقّ بطول عشرة سنتمترات فوق صدري من جهة القلب
    كأنها فتحة تهوية لهذا القلب المسكون بالخوف والخيبة والحب،
    وهكذا
    لم يكن أمامي غير القفول إلى بيت شقيقتي وحدها تستطيع أن تسمع خيبتي فلا
    تشمت ووحدها تستطيع أن تصلح شأني ...... مهزوما رجعت خنقت دموعي الحارة
    لم أذرف واحدة منها تركتها تتجمع في أحداقي حتى لم أعد أرى شيئا غير
    الضباب والدخان الأبيض . والطوفان
    ..
    آمال أبو احمد
    آمال أبو احمد
    Admin


    عدد المساهمات : 60
    تاريخ التسجيل : 08/01/2011

    حكاية من زمن المطر (طريق الرويسة) Empty رد: حكاية من زمن المطر (طريق الرويسة)

    مُساهمة  آمال أبو احمد الإثنين فبراير 07, 2011 3:48 pm


    الأخ العزيز جمال

    لا اعرف ان كانت هذه موهبة ام بفعل العادة تصبحون مدرسي اللغة العربية تجيدون التعبير بهذا الشكل البديع
    شكرا لك على هذه التحفة الجميلة
    اشكر مساهمتك
    وننتظر مزيدك
    تحتي وتقدير لك
    ودمت بخير

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 10:48 pm